وسط مخاوف من العودة.. الترحيل القسري يحطم عائلات سورية في لبنان
وسط مخاوف من العودة.. الترحيل القسري يحطم عائلات سورية في لبنان
انتظرت رغد، انتهاء الحصة الدراسية بفارغ الصبر من أجل العودة إلى منزلها في بلدة رشميا في جبل لبنان، لتناول الطعام الذي أعدته والدتها واللعب مع أشقائها، إلا أنها صدمت أنه لم يفتح أحد لها الباب.
وقفت رغد تبكي متفاجئة من سلوكهم غير المعتاد، من دون أن تعي أن الأمر خارج عن إرادتهم، وأن حملة التوقيفات التي يقوم بها الجيش اللبناني ضد اللاجئين السوريين شملت أسرتها، وفقا لقناة "الحرة".
اعتقدت ابنة السبع سنوات أن الأمر لن يطول، وأن وقتا قصيرا يفصلها عن عودة أفراد عائلتها، ليكملوا سويا حياتهم، فقبل أن تودعهم للذهاب إلى المدرسة ألقت نظرة على ثياب العيد التي اشتراها لها والدها، وكلها أمل أن يأتي اليوم المنتظر وترتدي الثياب الجديدة، لكن فجأة صدمت بأن محمد (اسم مستعار)، وهو أحد معارف والدها أتى بدلا منه لأخذها، ليمر العيد من دون عائلة ولباس جديد.
يقول محمد إنه تلقى اتصالا أُطلع من خلاله على حال الصغيرة فحضر واصطحبها إلى منزله، من أجل أن تبقى في رعايته إلى حين وضوح مصير عائلتها.
ومنذ بداية إبريل الجاري، تزايدت المداهمات التي تشنها السلطات اللبنانية ضد السوريين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وشملت الحملات مناطق مختلفة من العاصمة بيروت وبرج حمود وحارة صخر وصولا إلى منطقة وادي خالد والهرمل، مرورا بقضائي الشوف وكسروان في جبل لبنان، وفقا للمرصد.
أسفرت الحملة عن اعتقال المئات بتهم مختلفة منها (الشغب والاعتداء على المواطنين اللبنانيين وعدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية تخول لهم البقاء في لبنان)، لينقلوا بعدها إلى موقع قريب من الحدود بين البلدين.
واعتقلت السلطات اللبنانية بحسب مركز وصول لحقوق الإنسان، 64 لاجئا سوريا من مناطق مختلفة في لبنان، يومي 10 و11 إبريل الجاري، بينهم مرضى وأطفال، قال المركز إنهم تعرّضوا خلال المداهمات لعدة انتهاكات خطيرة، أبرزها الاعتقال التعسفي، والترحيل القسري، وسوء المعاملة.
حالة رعب
يسكن محمد في بلدة مجاورة لرشميا في قضاء عاليه، هو الآن يعيش وعائلته في حالة رعب، حيث يقول: "كلما علمت بأن هناك مداهمة للجيش اللبناني أسارع وزوجتي وأطفالي الخمسة للهرب، من دون أن نعلم ما الذنب الذي ارتكبناه حتى نحاصر من كل الاتجاهات، فلا يمكننا العودة إلى بلدنا كون الاعتقال سيكون مصيرنا، فنحن من جبل الزاوية في إدلب وهذا بحد ذاته تهمة".
ويوضح: "أما في لبنان ورغم أني عبرت الحدود أنا وزوجتي بشكل نظامي قبل 12 سنة، وسجلنا أسماءنا في مفوضية شؤون اللاجئين وحصلنا على إقامة، إلا أن تاريخ صلاحيتها انتهى وهو ما تتحجج به السلطات اللبنانية حالياً لإعادتنا".
وعبّر محمد عن استغرابه "اعتقاد اللبنانيين بأن السوريين يرغبون بالبقاء في بلدهم، رغم أنهم كمواطنين يواجهون صعوبات لتأمين لقمة عيشهم في ظل الأزمة الاقتصادية والارتفاع الجنوني للأسعار، فكيف بحال اللاجئين، وفوق هذا يدرك المسؤولون اللبنانيون تماماً ما مصير معارضي النظام في حال وطئت أقدامهم الحدود من الجهة السورية".
يأتي هذا فيما تصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة العنصرية ضد اللاجئين السوريين، وارتفعت أصوات المسؤولين المعارضة لوجودهم والمطالبة بترحيلهم.
وعن حملة الترحيل القسري الأخيرة، قال وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، "محصورة جداً بنحو 70 شخصاً، وهم المتورطون بعمليات سرقة منها لأسلاك كهربائية وجرس كنيسة مار أنطونيوس في برمانا، كما ظهر أنهم دخلوا إلى لبنان بطريقة غير شرعية".
ولفت شرف الدين إلى أن “التضييق على اللاجئين السوريين في عرسال بقرار من محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، وذلك من خلال إغلاق مستوصفات وغيرها”، أما خطة الترحيل التي وضعها الوزير التي تشمل 15,000 لاجئ شهريا فهي كما يقول: "مجمدة بقرار سياسي".
المرصد السوري لحقوق الإنسان كشف عن أن المرحلين يسلّمون إلى الفرقة الرابعة التابعة للقوات السورية، قرب تلكلخ على الحدود السورية- اللبنانية، وذلك بحسب ما أكده له أحدهم بعدما تمكّن من العودة إلى لبنان عبر طرق التهريب، مشيرا إلى أنهم يتعرضون للتعذيب "باستخدام العصي والكهرباء فضلاً عن الإهانات والشتائم، قبل أن يتم بيعهم لمهربين ودفع مبلغ 300 دولار عن كل شخص".
ترحيل قسري
من ناحيته، أدان مركز وصول لحقوق الإنسان بشدة "عمليات الترحيل القسري الجماعية الأخيرة، التي تم تنفيذها بشكل تعسفي، في انتهاك للوضع القانوني والسياسي للاجئين في سوريا وتجاهل صارخ للقانون الدولي لحقوق الإنسان".
ويواصل المركز توثيق حالات اللاجئين المرحلين وإبلاغ مكاتب مفوضية اللاجئين في لبنان بها، "من دون أن تنجح مساعيها بإيقاف عمليات الترحيل القسري".
وكانت المفوضية صرّحت بأنها "تراقب" الوضع، مضيفة أنّها "تواصل الدعوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية".
كما حث مركز "وصول" الحكومة اللبنانية على احترام حقوق جميع الأفراد، بمن فيهم طالبو "اللجوء والحماية من العنف والاضطهاد، على النحو المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي"، لافتاً في بيان إلى ضرورة امتثال السلطات اللبنانية للالتزامات التي تتحملها بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.